شكرا
لتونس الحبيبة لأدباءها الكبار وللدكتور محمد الباردي لما قدمه ويقدمه
للأدب العربي ،لاشيء عندي أقوله ليفي جمالكم بروحي وايماني بكم وبإبداعكم
الأبدي
مقدمة الأستاذ:د.محمد الباردي في مجموعة قصص( رسائل الوطن الغريب) لِ سمرالجبوري
عندما يكون اغتراب المرأة اغتراب وطن
د. محمّد الباردي
عندما قرأتُ هذه النصوص السّرديّة الّتي وصلتني من الكاتبة والشّاعرة
العراقيّة سمر الجبوري انتابني شيء من الحيرة وشيء من الدّهشة في آن.لم أكن
أعرف الكاتبة وما قرأت شيئا من نصوصها من قبل، ولكنّها واجهتني بعالمها
التّخييلي ولغتها الشّاعريّة المتدفّقة والمتسارعة إلى حدّ الإلغاز أحيانا
ووضعتني أمام تجربة إبداعيّة لها مذاقها الخّاص ولها مفرداتها المتميّزة.
تتفاوت هذه القصص طولا وقصرا ، فمنها القصص القصيرة العادية ومنها القصص
القصيرة جدّا الّتي لا تتجاوز الصّفحة الواحدة ومنها أيضا القصص الومضة
الّتي تكون في حدود المقطع الوجيز الذّي يكون في جملة سرديّة واحدة أو
جملتين ، ولكن مهما كان شكل هذه القصص فثمّة رؤية سرديّة واحدة تجمع بينها
وثمّة تمثّل مشترك للعالم هما رؤية سمر الجبوري وتمثّلها الخاص للعالم.أرفض
دائما أن ألخّص النّصوص السرديّة لانّ النصّ يجب أن يعايشه قارئه ويخوض
معه تجربة الإبداع بشكل من الأشكال ، ولأنّ التّلخيص يفسد النصّ ويعكّر
أجواءه وخاصة إذا كان المعنى في هذه القصص القصيرة الّتي كتبتها سمر
الجبوري يستعصي على القارئ، ويناور ويرفض أن يُمسك به بالسّهولة الّتي
نجدها في القصّة الواقعيّة الّتي نقرؤها عادة.في هذه القصص تهيمن الذّات
المتكلّمة وتستبدّ بهذا العالم التّخييليّ .وهي ذات أنثويّة صارخة
دائما.فالعالم لا يُرى من منظور غيريّ أو محايد ولا وجود لشيء غير الذّات
المتكلّمة. هذه الذّات الأنثويّة هي ذات عاشقة إلى حدّ النّخاع وهي ذاتٌ
متكبّرةٌ وهي ذات متجلّدة صبورة وهي كذلك ذات جريحة.تعلّمنا ونعلّم طلبتنا
أنّ القصّة عالم تخييليّ بالأساس ولا يجوز الخلط بين الذّات الواقعيّة خارج
النصّ (الكاتبة)والذّات السّاردة وهي عون تخييليّ بالأساس وكذلك الشّخصيّة
القصصيّة، ولكنّ الذّات المؤلّفة تكاد تخون هذا الميثاق السّرديّ وتنبثق
بين السّطور لتعبّر عن وجودها داخل النصّ.ذاك مآل القصّ الحديث الّذي يذوّت
السّرد ويلج به تخوم الذّات .ففي هذه القصص الوجيزة يبدو المتكلّم وموضوع
الكلام كائنا واحدا وهو كائن يأخذ من المؤلّفة روحها ومشاعرها ورؤيتها
للكون والحياة.هي روح جريحة ولكنّها متكبّرة ومتأنّقة في عواطفها ومشاعرها
الرّاقية والرّافضة للابتذال.عندما تقرأ هذه القصص تتراءى لك صورة امرأة
ولكنّها ليست امرأة عادية.لستُ أدري لماذا انتابني هذا الشّعور وهو أنّ هذه
المرأة إضافة إلى مستواها الدلالي الظّاهر تبطن دلالة خفيّة تتعلّق بالوطن
.وهذا الوطن هو العراق، فهذه المرأة الجريحة الّتي تسرد أو تتكلّم
باعتبارها شخصيّةً قصصيّة لا تعدو أن تكون عنوانا لوطن جريح ، وهذا الوطن
هو العراق.هذه القصص رسائل الوطن الغريب تعبيرات ذات أنثويّة عاشقة
متكبّرة، هي تعبيرات سمر الجبوري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق