من وحي رمضان 4
وبصعوبة
شديدة ورويدا رويدا حطَّطَت الطائرة بنا تمشي على البحر مثلما يركض الحجر
المسطح حين نرميه صوب النهر نغط ونطلع بشكل أفقي إلى أن ركدت بنا على جرف
الجزيرة والحمد لله
بدأنا بالنزول وأنا مندهش من روعة المكان :الشمس
أشرقت للتو والرمل الأبيض يلتف مثل حزام (نَسرين= حبيبة الحاج حسن)
المتهدل في أفكاري والعياذ بالله ،
والأشجار لم أرى مثلها بكل حياتي، راح بعض المسافرين يجرب طعم الثمر
يقطعونه و يقتسمونه و إذا بإحدى الثمرات تضم (القَيمر= القشطة) والأخرى
قَشّرها مسافر هندي وأخرج منها خبزا لذيذ فأفطرنا من لذيذ ما تسخر ، وبينما
نكمل الفطور ذهب القبطان ليبحث عن الماء الحلو ليملأ خزان الطائرة انذاك
طلبت من غلام التاجر أن يقيم الأذان لنصلي صلاة (الضرورة= للتأمل وتحقيق
الأحلام) فقام وأذن :_
أن يا من نجوتم من بين الأرض والسماء...لإين الطريق الآن؟
فقاطعتهُ بعصبية وقلت له ( وك! مِن أي دين؟ من أيَّ ملة إنتَ ؟=أنتَ )قلت
لك أذِّنْ لنصلي يا أرعن ، ولم أقل صلّي قبل الأذان ! فأجابني:_ معتذراً
:_سامحني سيدي أنا شاعر وأختصر الأذان بالصلاة...
-شاعِر؟! وَك فوت
ولّي للمقابر هن يلملمنكم (دَ ترتاح) فقير، وشاعر، ولا تسمع الكلام!؟
...نظرت حولي بين الأشجار فلمحتُ شجيرة (البله َدونيّة= البلادونا) فسألت
الغلام :هل ترى تلك الشجيرة ؟وأشرتُ لها ،فقال:_ نعم أراها فأردفتُ
قائلاً :_فاذهب واقطع منها عشر حبات وكُلها هنيئا مريئا وستعرف كيف تكون
شاعرا (قُح= أصيل) ...بعدها استغفرت ربي وأمرت المسافرين بقضاء الصبح
للضرورة واخترت (قيس+ أحد المسافرين) ليؤم الصلاة وبعد أن انتهينا وسلمنا
أخذني الحظ عما حولي وشعرت إن رأسي مال على رقبتي عطفاً من خيالي....
آه نَسرين..
ماذا كان لو كنا معا هنا؟؟
ونبني لنا بيتا مختلفا،
بيتاً ليس له شبابيك تشعر بالحَول مثل أمك..
ترانا ناقصا وزائدة،
ولا رؤوس من مطاط الإطارات كرأس أباك وعمك
بيتاً ولا شيء سوانا وهذه الأرض..
نختفي إليه لساعتين في الشهر
أو لساعة أو أقل
و لو سألوك عني أخبريهم ،لا تخافي،
قولي لهم: كان حمال و لا يملك سور عالي
ويعمل من الفجر لتتلقاه الليالي...
قولي لهم:كان غريبا وقريبا معا..
يسب العيون والأقلام الباحثة عن القضايا صبح مساء...
أحبني ، فضاع في أرضُ الهاربين...
(وتلوميني من أكعد ع الدرب؟!= وَ تَلوميني حين أجلس على الطريق؟).
وهنا قاطعني صوت بلبلة وصراخ بالنجدة للخلاص، التفت إلى يميني وإذا بخلق
كثير يركضون إلينا وكأنهم يستصرخون من خوف وبَلية ،نهضت مع من نهض وقلت يا
ستار يا حافظ وذهبت أستطلع خبر الناس
فوصلوا لي و التفوا حولي وإذا بهم
يتكلمون بخوف وقد تقطعت أنفاسهم من الركض هرباً من( الوحش أبوسعدون
الطنطلاني ) لهنا وفهمت القصة بكاملها فقد كان أحد رعاة ثيران (الوحش
الملك) يقود ثوره ليذهب به يعلمهُ على الجري وراء الشباب في العيد وإذا
بأحد أبناء الوحش كان بالقرب فنطحه الثور وأرداه كسيرا طريح الفراش فباءت
المدينة بغضب الوحش ...
طمئنت الناس بأن يصبروا و تقدمت أنتظر الوحش ،
لاح من بعيد وهو يزأر ويحطم كل ما يجده أمامه ويضرب بقبضتيه على التلال في
الجانبين ..مشيت نحوه حتى صرتُ في منتصف المسافة بينه وبين الناس فرآني
وتوقف يتنفس مزمم الشفتين محمر العينين قابضا كفيه ..نظرت إليه بغضب وصرخت
فيه :_ (وَك متستَحي؟- أما تستحي؟) ، أما تتورع في الناس؟ ما شأنُ الناس
لتغضب عليهم؟ فرَد عليَّ مقهورا:_ (أرجوك حاج حسن لا تتدخل بيننا ، ومثلما
أصابوا قلبي إلا أمردهم مَرِد= إلا اقتلهم )..فقلتُ لهُ :_ هذا أنت الكبير
وتقول هكذا؟ وافرض إن أحدهم أخطأ ما
ذنب الباقين ؟ (الله يرحم
أيام الحلّة لمّا انهزمِتْ يا عاصي =الحلة مدينة في بابل ) هو الثور نطح
ابنك ولنقل مدرب الثور علمه لينطح ابنك:خذ المتهم وحاكمه ودع الناس لشأنها
أم تريدني أن أخبرهم بقصة (الحجَارة ْلِتلالي ؟= الحجرالشفاف؟!) فتغيرت
ملامح الوحش وتبدلت فرائصه وصار يقترب ويعض على شفته السفلى مؤشرا لي يتوسل
السكوت ..إلى أخره...ألمهم قلت للوحش دِ فوت بابا اذهب لأبنك ،و أنت يا
مدرب الثيران ستصعد معنا في الطائرة وللناس أن يذهبوا لبيوتهم آمنين فأبوا
إلا أن يشاركون في مليء خزان الطائرة فأحضروا الدلاء وصاروا يتناوشون الماء
من المدينة من كف لكف حتى امتلأ الخزان فشكرتهم وفعل القبطان كذلك ثم صاح
:_ إلى الطائرة إلى مقاعدكم
وطرنا نبتعد عن الجزيرة شيئا فشيئا وأنا
أنظر الشِباك ويعتصرني حنين لذكرى(نَسرين) مُحدثا نفسي بسؤال عقيم :(لم تسع
الأرض كل من تمنى أو يريد الخلاص) ،وقُبيل المغرب بساعة بدأت الطائرة
بالنزول فصاح القبطان برهبة :(ألا يا قوم:وصلنا أرض الأحلام ،سنهبط لأمريكا
) وهبطنا سالمين وفتحت أبواب الطائرة وبدأ المسافرون ينزلون واحدا تلو
الآخر ..أما أنا والعياذ بالله من كلمة أنا ،اقتربت المضيفة وأخبرتني
باحترام أن أتفضل من الباب الخاص بالوفود المهمين فقمت ونزلت من باب الوفود
وإذا بالرئيس (ريغِنغِن= ريغان) ينتظرني هو وجوقة العازفين و ضباط الشرف
...نزلت وتقدم الرئيس واحتضنني بشوق وقبلنا خدي بعضنا وقال:_( ألف هلا
ومرحبا بالحاج حسن، اشتقنا لك يا رجل أقلقنا تأخركم) فبادرته (أمور دنية
عَمّي = هي أحوال الدنيا يا عمَي )وطمأنته ومشينا مع إلى دار الضيافة ،
جلسنا وحولنا معاونيه ومدحت بدلته المرتبة التي تفوح بعطر (العود) قلت له
(أيباااه)هذا العطر فاخر ذكرني بأقرباء لي يدمنون اقتناءه وأيضا يجتهدون
بقطف وأكل الطري منه ،هو عطر لا بأس به يجدد الشباب ،فأيدني وقال:_ هذا جيد
سنتدارس الموضوع بشكل أوسع في المستقبل
وتذكرت الدعوة فسألته مباشرة
:_ (بروحة الذاك الحايط سيادة الريغن، ما سبب دعوتكم لي لزيارة أمريكا؟=بحق
ذاك الحائط) فقال وهو يرفع رأسه :_ سمعنا عنك إنك أحسن من يمتهن الشواء في
العراق، ثم اقترب مني ووشوشني قائلاً :_ كل الكون يتحدث عن (تِكّة الحاج
حسن= التكة : لحم الغنم المقطع والمشوي على الفحم ) فاخترتك لتكريمك بوسام
التِكّة العالمي ، ثم اعتدل وقال:_ وأعدك بأن أمريكا ستأكل التكّة في
العراق قريبا من يديك الطيبتين ، فقام بعدها مودعا لي هو وحاشيته المباركة
وشكرته ثم أوصلني السائق للفندق حيث ينتظرني أصدقائي والقبطان لنقضي أسبوعا
من أجمل ما يحلم به بني البشر والحيوان في أمريكا ،
وفي اليوم الأخير
وقبل مغادرتنا أقيم على شرفنا حفلا لتقليدي بوسام التِكّة العالمي ثم
لتوديعي في المطار ....ورجعت إليكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سمرالجبوري
27/7/2013م
لحد العاشر أو الثاني عشر من رمضان نكون قد نسينا أحاسيس العتب بالجوع
والعطش واندمجنا بواقع الشهر الفضيل بكل أجزاءه وصرنا كأنا نحلق فيه لنصل
إليه ،تارة بما نحاول أن نجتهد فيه من القراءات والتفسير والأهم بما نحظى
أن نقدمه لأنفسنا لنتباهى برمضان مثل الكبار
وكما عودتنا المدينة أن
نجد جوانب لا نجدها في كل زمان ومكان ولمنطقتنا الشعبية نصيب من الإبداعات
التي غالبا تكون عفوية لم يكن قد حَسب
أصحابها لها حسابا من قبل بل على الأرجح تكون مبادرات ارتجالية بحتة، ومن
تلك الإبداعات ما كنا نسمعه عن مسابقة (جذب المصفط أحسن من صدق المخربط)
هذه الفعالية كانت تقام في ليالي رمضان في مقهى الحاج يوسف وهو أول و أقدم
مقاهي منطقة الربيع حيث يجتمع الرواد من الشباب والمخضرمين والكبار لتدوين
دورة حياة لا يمكن إلا أن تكون من أروع فصول الوجود ، ربما كان القصد من
تلك القصص سياسياً أو اجتماعيا : بالنتيجة كانت أجمل من أن أصفها بكلمات
مهما صيغت و يبقى فرح العائلة وابتساماتنا التي رسمتها تلك القصص ونحن نجلس
حول أحد الرواة هي الأغلى والأروع وسأحاول سرد القصص بكل تأني وأتمنى فعلا
أن أتذكر كل التفاصيل ....
*مسابقة (جذب المصفط أحسن من صدق المخربط)
المكان حي الربيع
الزمان :15/رمضان/1987م/بغداد
المشاركون:1
_الحاج حسن الجبوري
2_الحاج حمّود راشد
3_ الحاج أمير الكريعي
يقول الراوي :
وصلتُ للمقهى وسلمت على الجماعة وكان الشباب يومها وصلوا مبكرين وقد حضروا
وأحضروا معهم أصدقائهم ، صاحب المقهى منهمك بصب أقداح الشاي وتوصيلها
للزبائن حيث اكتظت الكراسي (والتخوت)1 بالجالسين داخل المقهى وخارجه
انتظارا لمسابقة اليوم المهمة طبعا لوجود مثل هؤلاء الكبار بالمسابقة كونهم
لم ينجح أي قاص او راوي بأن يتخطاهم دون الاعتراف بأنهم الأفضل على
الإطلاق ،ثم أردف يقول :بدأ الشباب يتأففون لتأخر الحاج حمّود وقال أحدهم
:إلا يمكن أن تبدأ القصص الآن ؟
المهم وأخيرا وصل الحاج حمّود واستقبله
الجميع بترحيب كبير ، اتخذ مجلسه قبالة الحاج أمير وبدأت الصلوات على محمد
وآل محمد ثم وبدون تأخير بدأ الحاج حسن الجبوري بأول القصص الثلاث فقال:
_ لمْ تسألوني أين كنت منذ ثلاثة أيام؟
فأجابه الجميع:(وييين؟)
فتابع وقال: كنتُ وكما وعدتكم سافرت لأمريكا.
ضحك الجميع ثم صمتوا تمهيدا له ليكمل قصته...
_طبعا لم أرضى أن أسافر هذه المرة على حماري واشترطت أن تكون رحلتي على
أحسن طائرة في مطار بغداد ،كانت دعوتي لواشنطن رسمية ومختومة بِختمين ختم
البيت الأبيض وختم البيت الأسود ومن لا يُصدق ليضرب رأسه بأقرب حائط...
لملمت حاجياتي الضرورية في حقيبة السفَر : (صايتي= معطف طويل للرجال)
التي تلقاها أبي من أحمد حسن البكر والذي كان يعشق صحبته ويجالسه كل يوم
ويتوسل به أن يزوره ليبارك قصره أو أن يزور هو بيتنا بشرط أن تطبخ له أمي
(دولمه)...
و (سِبيلي =غليوني) العزيز الذي يعمل حتى بدون (تِتن= تبغ) أحيانا! تعرفون هذا الغليون ومصدره وعزته بقلبي؟
و (بشكيري= منشفة الوجه واليدين) ،قلت :ربما سأحتاجه في الطريق لأي سبب
وصلتُ المطار صباحا وتوجهت للطائرة المعدة لسفري وهي أكبر طائرة كانت على
المدرج وتسمى(أم الأربع طوابق= ذات الأربع طوابق) ومكتوب على جانبيها:
( طيران:العربية الأمريكية وأهلا وسهلا بالحاج حسن)..
دخلت بقدمي اليمنى بعد أن أوصلتني رافعة مُعدة لرفعي باحترام وتوصيلي لباب
الطائرة ،كانت الطائرة ممتلئة بالركاب الذين كانوا ينتظروني لتقلع الطائرة
،اتخذت مجلسي قرب الشِباك وانطلقنا وكان هناك صوت رجل يلعلع من مسجل يتلوا
علينا آيات من القران والإنجيل و الزبور وكلها تتلى بالمقلوب طبعا غضبت
وسألت بصوت عالي لماذا لا تقلبون شريط المسجل ؟ إلى متى تبقون هَمجا يا
أوغاد؟ فخجل الجميع ووصل الخبر لبرج المطار فأخرجوا شريط التسجيل التالف
واستبدلوه بشريط (لِِ :وحيدة خليل= مطربة عراقية من الجنوب) فاستتب الوضع
في كل طوابق الطائرة واستمرت بنا الأحاديث حتى جاءت المضيفة التي تشبه بنت
فلان واقتربت مني و استسمحتني أن توشوشني فسمحت لها فقالت:
عذرا حاج حسن وصلنا الآن لتقاطع فيه (طسات = مَطَبات) فأرجو منكَ مساعدتنا في تهدئة المسافرين إن حدث شيء لا سامح الله؟
فأجبتها حبا وسمعا وطاعة (من عيني إنتي تؤمريني ) فَقَبلَتني من خدي
الأيمن وهمست(إنزول عليك اشكد محبوب)2 ...وما أن استدارت المضيفة حتى بدأت
الطائرة ترتجف بما فيها ،صمت الجميع وصاروا يتمتمون بعضهم بالأدعية
ويخرجون المصاحف أو الصلبان أو القواقع أو مثل هذا الذي يجلس بمحاذاتي أخرج
صورة إمرأة مبرقعة وبدأ ينظر إليها ثم وفي (الطسة الثانية) قال للصورة:
(بس لا أبوج إمبرطل الله ويسويها بينا )3 طبعا استغفرت الله ووبخته وقلت
له لوكان أبوها يعرف الله ماكان سواها(أم الختيلة ..والله لنعل أبوك لابو
أبوها)4 بعده صارت الطسات تتوالى والطائرة تلوذ بجناحيها وتميل يسارا
ويمينا وكأنها تشكو و (تَشغَر لله= تستغيث بالله) ،بدأت أفكر بالطوابق ولم
يعد يكفيني التفكير فنهضت أمشي لأنظر حال الناس الذي أسمع طَنينهُم رغم
كتمانهم الخوف احتراما لي ،صعدت للطابق الثاني والثالث ثم الرابع أتطلع في
وجوه المسافرين ولا أجد شيئا أطمئنهم به فاتجهت (لِحجرة= الغرفة) الطيار
فتحت الباب وسلمت عليه وكان يمسك (السُكّان= المِقوَد) بقوة ويحاول أن
يثبت نفسه بتركيز بدا على فمه من تكشيرته وأسنانه التي اصطكت جهادا ...رد
السلام بدون أن يلتفت وقال: _(منو؟= مَن) ؟ حاج حسن؟ أعتذر سيدي لم انتبه؟؟
فبادرته ما لموضوع يا طيار؟ فقال: الحالة صعبة سيدي الظاهر انه لم يملئوا
خزان الماء جيدا ووجود نقص في خزان ماء الطائرة يجعل المحرك يحمى ويصير
الجناحان أخف وهذه مشكلة أحاول السيطرة عليها بأن أوازن الجناحين لتستقيم
الطائرة ولكني أجد الموضوع صار أصعب فهل تسمح لنا بالهبوط الإظطراري للتزود
بالماء من أقرب أرض؟؟...فأجبته بعد تفكير دام لخمس دقائق (مَيخالف بابا دِ
إنزل والله كريم ) 5 وأمرته بأن يرسل المضيفة لتُطمّئِن المسافرين وأن
يخبر برج المطار بأن يضعوا شريطا للمطرب (صباح السهل خل دَنِسمَع نوبه شمال
الهوى ونوبة ال....) 6 وذهبت لمكاني وبدأت الطائرة
بالهبوط. وبصعوبة
شديدة ورويدا رويدا حطَّطَت الطائرة بنا تمشي على البحر مثلما يركض الحجر
المسطح حين نرميه صوب النهر نغط ونطلع بشكل أفقي إلى أن ركدت بنا على جرف
الجزيرة والحمد لله
بدأنا بالنزول وأنا مندهش من روعة المكان :الشمس
أشرقت للتو والرمل الأبيض يلتف مثل حزام (نَسرين= حبيبة الحاج حسن)
المتهدل في أفكاري والعياذ بالله ،
والأشجار لم أرى مثلها بكل حياتي، راح بعض المسافرين يجرب طعم الثمر
يقطعونه و يقتسمونه و إذا بإحدى الثمرات تضم (القَيمر= القشطة) والأخرى
قَشّرها مسافر هندي وأخرج منها خبزا لذيذ فأفطرنا من لذيذ ما تسخر ، وبينما
نكمل الفطور ذهب القبطان ليبحث عن الماء الحلو ليملأ خزان الطائرة انذاك
طلبت من غلام التاجر أن يقيم الأذان لنصلي صلاة (الضرورة= للتأمل وتحقيق
الأحلام) فقام وأذن :_
أن يا من نجوتم من بين الأرض والسماء...لإين الطريق الآن؟
فقاطعتهُ بعصبية وقلت له ( وك! مِن أي دين؟ من أيَّ ملة إنتَ ؟=أنتَ )قلت
لك أذِّنْ لنصلي يا أرعن ، ولم أقل صلّي قبل الأذان ! فأجابني:_ معتذراً
:_سامحني سيدي أنا شاعر وأختصر الأذان بالصلاة...
-شاعِر؟! وَك فوت
ولّي للمقابر هن يلملمنكم (دَ ترتاح) فقير، وشاعر، ولا تسمع الكلام!؟
...نظرت حولي بين الأشجار فلمحتُ شجيرة (البله َدونيّة= البلادونا) فسألت
الغلام :هل ترى تلك الشجيرة ؟وأشرتُ لها ،فقال:_ نعم أراها فأردفتُ
قائلاً :_فاذهب واقطع منها عشر حبات وكُلها هنيئا مريئا وستعرف كيف تكون
شاعرا (قُح= أصيل) ...بعدها استغفرت ربي وأمرت المسافرين بقضاء الصبح
للضرورة واخترت (قيس+ أحد المسافرين) ليؤم الصلاة وبعد أن انتهينا وسلمنا
أخذني الحظ عما حولي وشعرت إن رأسي مال على رقبتي عطفاً من خيالي....
آه نَسرين..
ماذا كان لو كنا معا هنا؟؟
ونبني لنا بيتا مختلفا،
بيتاً ليس له شبابيك تشعر بالحَول مثل أمك..
ترانا ناقصا وزائدة،
ولا رؤوس من مطاط الإطارات كرأس أباك وعمك
بيتاً ولا شيء سوانا وهذه الأرض..
نختفي إليه لساعتين في الشهر
أو لساعة أو أقل
و لو سألوك عني أخبريهم ،لا تخافي،
قولي لهم: كان حمال و لا يملك سور عالي
ويعمل من الفجر لتتلقاه الليالي...
قولي لهم:كان غريبا وقريبا معا..
يسب العيون والأقلام الباحثة عن القضايا صبح مساء...
أحبني ، فضاع في أرضُ الهاربين...
(وتلوميني من أكعد ع الدرب؟!= وَ تَلوميني حين أجلس على الطريق؟).
وهنا قاطعني صوت بلبلة وصراخ بالنجدة للخلاص، التفت إلى يميني وإذا بخلق
كثير يركضون إلينا وكأنهم يستصرخون من خوف وبَلية ،نهضت مع من نهض وقلت يا
ستار يا حافظ وذهبت أستطلع خبر الناس
فوصلوا لي و التفوا حولي وإذا بهم
يتكلمون بخوف وقد تقطعت أنفاسهم من الركض هرباً من( الوحش أبوسعدون
الطنطلاني ) لهنا وفهمت القصة بكاملها فقد كان أحد رعاة ثيران (الوحش
الملك) يقود ثوره ليذهب به يعلمهُ على الجري وراء الشباب في العيد وإذا
بأحد أبناء الوحش كان بالقرب فنطحه الثور وأرداه كسيرا طريح الفراش فباءت
المدينة بغضب الوحش ...
طمئنت الناس بأن يصبروا و تقدمت أنتظر الوحش ،
لاح من بعيد وهو يزأر ويحطم كل ما يجده أمامه ويضرب بقبضتيه على التلال في
الجانبين ..مشيت نحوه حتى صرتُ في منتصف المسافة بينه وبين الناس فرآني
وتوقف يتنفس مزمم الشفتين محمر العينين قابضا كفيه ..نظرت إليه بغضب وصرخت
فيه :_ (وَك متستَحي؟- أما تستحي؟) ، أما تتورع في الناس؟ ما شأنُ الناس
لتغضب عليهم؟ فرَد عليَّ مقهورا:_ (أرجوك حاج حسن لا تتدخل بيننا ، ومثلما
أصابوا قلبي إلا أمردهم مَرِد= إلا اقتلهم )..فقلتُ لهُ :_ هذا أنت الكبير
وتقول هكذا؟ وافرض إن أحدهم أخطأ ما
ذنب الباقين ؟ (الله يرحم
أيام الحلّة لمّا انهزمِتْ يا عاصي =الحلة مدينة في بابل ) هو الثور نطح
ابنك ولنقل مدرب الثور علمه لينطح ابنك:خذ المتهم وحاكمه ودع الناس لشأنها
أم تريدني أن أخبرهم بقصة (الحجَارة ْلِتلالي ؟= الحجرالشفاف؟!) فتغيرت
ملامح الوحش وتبدلت فرائصه وصار يقترب ويعض على شفته السفلى مؤشرا لي يتوسل
السكوت ..إلى أخره...ألمهم قلت للوحش دِ فوت بابا اذهب لأبنك ،و أنت يا
مدرب الثيران ستصعد معنا في الطائرة وللناس أن يذهبوا لبيوتهم آمنين فأبوا
إلا أن يشاركون في مليء خزان الطائرة فأحضروا الدلاء وصاروا يتناوشون الماء
من المدينة من كف لكف حتى امتلأ الخزان فشكرتهم وفعل القبطان كذلك ثم صاح
:_ إلى الطائرة إلى مقاعدكم
وطرنا نبتعد عن الجزيرة شيئا فشيئا وأنا
أنظر الشِباك ويعتصرني حنين لذكرى(نَسرين) مُحدثا نفسي بسؤال عقيم :(لم تسع
الأرض كل من تمنى أو يريد الخلاص) ،وقُبيل المغرب بساعة بدأت الطائرة
بالنزول فصاح القبطان برهبة :(ألا يا قوم:وصلنا أرض الأحلام ،سنهبط لأمريكا
) وهبطنا سالمين وفتحت أبواب الطائرة وبدأ المسافرون ينزلون واحدا تلو
الآخر ..أما أنا والعياذ بالله من كلمة أنا ،اقتربت المضيفة وأخبرتني
باحترام أن أتفضل من الباب الخاص بالوفود المهمين فقمت ونزلت من باب الوفود
وإذا بالرئيس (ريغِنغِن= ريغان) ينتظرني هو وجوقة العازفين و ضباط الشرف
...نزلت وتقدم الرئيس واحتضنني بشوق وقبلنا خدي بعضنا وقال:_( ألف هلا
ومرحبا بالحاج حسن، اشتقنا لك يا رجل أقلقنا تأخركم) فبادرته (أمور دنية
عَمّي = هي أحوال الدنيا يا عمَي )وطمأنته ومشينا مع إلى دار الضيافة ،
جلسنا وحولنا معاونيه ومدحت بدلته المرتبة التي تفوح بعطر (العود) قلت له
(أيباااه)هذا العطر فاخر ذكرني بأقرباء لي يدمنون اقتناءه وأيضا يجتهدون
بقطف وأكل الطري منه ،هو عطر لا بأس به يجدد الشباب ،فأيدني وقال:_ هذا جيد
سنتدارس الموضوع بشكل أوسع في المستقبل
وتذكرت الدعوة فسألته مباشرة
:_ (بروحة الذاك الحايط سيادة الريغن، ما سبب دعوتكم لي لزيارة أمريكا؟=بحق
ذاك الحائط) فقال وهو يرفع رأسه :_ سمعنا عنك إنك أحسن من يمتهن الشواء في
العراق، ثم اقترب مني ووشوشني قائلاً :_ كل الكون يتحدث عن (تِكّة الحاج
حسن= التكة : لحم الغنم المقطع والمشوي على الفحم ) فاخترتك لتكريمك بوسام
التِكّة العالمي ، ثم اعتدل وقال:_ وأعدك بأن أمريكا ستأكل التكّة في
العراق قريبا من يديك الطيبتين ، فقام بعدها مودعا لي هو وحاشيته المباركة
وشكرته ثم أوصلني السائق للفندق حيث ينتظرني أصدقائي والقبطان لنقضي أسبوعا
من أجمل ما يحلم به بني البشر والحيوان في أمريكا ،
وفي اليوم الأخير
وقبل مغادرتنا أقيم على شرفنا حفلا لتقليدي بوسام التِكّة العالمي ثم
لتوديعي في المطار ....ورجعت إليكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سمرالجبوري
27/7/2013م
بقلم:سمرالجبوري
24/7/2013م
المعاني:
1_ التُخوت: جمع تَخَت وهي الأريكة التي يجلس عليها رواد المقهى
2_ إنزول عليَك: جملة تستعملها النساء وتعني أنزل الله عليك السوء وهنا
تُقصد عكس المعنى مدحاً مبطن بصيغة الذم ، وغالبا تُستَعمل للدلع
3_ إمبرطل: من البرطلة وتعني الرشوة
4_ أم الخِتيلَه: والختيلة لعبة شعبية يلعبها الأطفال تعتمد الاختفاء والتخفي
5_ دِ بكسر الدال: وهي أداة توكيد فعلية تحل محل فعل الأمر إفعل مثل:دِ تعال، دِ وَدي، د ِ صلّي، دِ إلعَب ..إلخ
6_ صباح السهَل :مطرب عراقي /وأغنيته نوبه شمالي الهوى ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق