الخميس، 4 يوليو 2013

أولوية الروح المعنوية للباحث والاستعداد الذاتي لتطبيق البحث التاريخي قراءة نقدية لكتاب(جغرافيا الباز الأشهب)/نقد في البحث التاريخي

الصورة للأستاذ الدكتور جمال الدين فالح الكيلاني مؤلف ومحقق كتاب (جغرافيا الباز الأشهب)

 **************************

أولوية الروح المعنوية للباحث والاستعداد الذاتي لتطبيق البحث التاريخي

قراءة نقدية لكتاب(جغرافيا الباز الأشهب) لمؤلفه الباحث الدكتور:جمال الدين الكيلاني

بقلم :سمرالجبوري

29/6/2013م

مدخل

يعتبر الكتاب (جغرافيا الباز الأشهب)الذي حققه الباحث الأستاذ جمال الدين فالح الكيلاني من أهم البحوث الحديثة في التاريخ والذي يعزى نجاحه لعدة أسباب هذا ما أوضحه عديد الأساتذة والمهتمين من خلال آرائهم مثل مقدمة الأستاذ الدكتور :عماد عبد السلام رؤوف والدكتور ماجد عرسان الكيلاني والدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور وغيرهم من الأساتذة المتخصصين في البحوث التاريخية واستكمالا لدور النقد الأدبي في إثبات جدارة الباحث الروحية للباحث وتطور السبب الذاتي كأولوية حتمية لنجاح البحث نتقدم بما يلي

وكما نعلم ان البحث التاريخي كان يعتمد على الموروثات والفلكلورية المتوارثة عند الأجيال كنوع من الوصايا أو الحكايا والأساطير التي اعتمدها الباحث الأول ككينونة أدت بالنهاية إلى الفصل بين الحقائق الثابتة وأحقيتها بالتتابع وأيضا لإبعاد بعض الأطر التي خلفها تتابع الزمن على المنقول من تداخلات ومبالغات أعطت للمنقول بالنتيجة أثرين :الأول هو تأثير التزيين التاريخي على الموروث ليكون راسخا أكثر كالمحكيات و المرويات التراثية التي كانت سائدة في مجتمعنا وهو تأثير ايجابي والثاني وهو ما تتعمد بعض الجهات إدماجه بالموروث والمنقول بهدف تحوير حقيقته وهدفه إلى عكس المطلوب ومثله ما تعمد استيضاحه الدكتور طه حسين ولاءً للأدب والتاريخ كعلم مستقل ثابت وذلك باستظهار الحقائق من نماذج أثبت من خلال فلسفتهم حقيقة كان لابد من توضيحها وتبيينها كما فعل في كتابه (فلسفة أبو العلاء المعري ) حيث أظهر أحقية هذا الشاعر بفلسفته ومشاكساته التي كان للبعض أن يراها جنون (1) وأيضا حين استخلص الجد من شعر أبي نؤاس وضمن بعض فصول أدبياته المدح والذم والهجاء والأهم تمييزه لأساليب وأهداف شعر أبي نؤاس وبعض الشعراء في العصرين الأموي والعباسي ليستخلص حقيقة ثابتة من ان تلك العصور كانت عصور لهو ومجون فبين بصورة علمية أسس لها بقوة ليكون من أوائل الكشافين التاريخيين من خلال دراسته لحياة ومنتج بعض الشعراء وهذا بالضبط ما كان يقصده وواصل علمه وتعليمه رغم الضجيج الحاصل من بعض الجهات والتي اعترضت أساسا لأن أمزجتهم تعودت على المفهوم المتوارث والمنقول من جهة واحدة تعمدت تعريف الأدب والشعر على انه مادة خاصة لاستخلاص اللذائذ الحسية والجنسية والمادية مما يجعل المتلقي غارق في ترف المجون وبنفس الوقت يكون المتلقي بعيدا كل البعد عن مكامن الأدب الحقيقي وغاياته وأهدافه وعليه تسببت دراسات العميد طه حسين بإصابات لم يكن يتحسب لها المحسوبين على الأدب والتاريخ وبالنتيجة فمثل تلك الإضافات ومثلها تغييب بعض المعلومات وجزها من الوثائق فهو تأثير أثبت سلبيته على كل العلوم المنقولة والموروثة (2)، وهنا يأتي دور الباحث وجدارته للقيام بموضوعية البحث ولو اطلعنا على الكثير من الآراء لوجدناها تصب في معنى واحد وهو "استعداد الباحث " فبلا شك من إن لشخصية الباحث وتهيئته التربوية والعلمية و التتابعية الروحية لاستجلاء الأسباب والحكم بالاختلاف عن حالة شك واحدة !هي ما تميز وجوده الفعال لتمرين هذه الأحاسيس وتوظيفها كبنية يعتمدها ليصل إلى القرار الذي يبت في انه توجب البحث في هذا الموضوع ولو تأملنا الأنموذجية التربوية لباحثنا الدكتور جمال الدين فالح الكيلاني لعرفنا مدى تهيئه وثبات أسلوبه لاحقا حين قرر أن يبحث في موضوع أثبت حقيقته بجدارة وذلك لكونه ابن لأديب وباحث كبير وهو الأستاذ الشاعر والباحث :فالح نصيف الحجية الكيلاني من جهة وأيضا لكونه حفيد للمسمى ببحثه وهو الإمام الجليل عبد القادر الجيلي علاوة على انه أحد الأساتذة الأكاديميين في قسم التاريخ، يؤيد هذا المعنى الدكتور داوود بن درويش حلّس حين يوضح أهمية الاستعداد الشخصي للباحث فيذكُر:

(الباحثون ليسوا سواء في هذا الجانب، وفي القدرة على التمييز بين المواقف والإحساس بالظواهر التي تحتاج إلى دراسة.-كما أسلفنا- فتظل المواهب الفردية والاستعدادات الشخصية فيصلاً تميز فرداً عن فرد وباحثاً عن باحث. فرفاهة الإدراك، والتيقظ الواعي تجعل للمرء حساسية خاصة يدرك بها المهم فالأهم من الأمور بل يجعل لكل درجات وأولويات في درج منظم يجعل الأمور مواضعها ويزنها بميزانها الدقيق فتحتل كل منها مكانة مناسبة.

ويتأتى ذلك بالبصيرة الواعية التي تستبطن الأمور، والعقلية الناقدة التي لا تقبل بالتسليم والقبول لكل ما يمر بها دون أن تعرضه على النقد والتدبر

والنظر. وبعد الشك المنطلق من هذا الإحساس نقطة البداية في تقدير المشكلة ومقدار حاجتها إلى البحث، وعرض الآراء السابقة على البصيرة الناقدة التي تكشف عن الحاجة إلى مزيد من الدراسة والاستقصاء للظواهر القائمة.)(3)

بعد هذا صار لابد لنا من التعمق في النظر الى مفهوم صار لابد منه لتحقيق المسار الصحيح والذي قرره الباحث من ووصوله الى نقطة مهمة وهي الاستنباطية في الأحكام للوصول لتحقيق الهدف من البحث

يعتبر منهج البحث التاريخي من أوسعَ المناهج التي تعتمد احتمالات للتوسع الفكري والثقافي لدى الباحث في هذا النوع من الثقافات الإنسانية ، ولو تأملنا قليلا بأحد البحوث لوجدنا إن الباحث كان لابد له ان يمر عبر الجغرافيا والأنساب وعلم الرجال والأدب والفقه وبعض الشواهد مثل أطلال المدن والحضارات والشواهد الحية والوثائق إلى تمحيصها واستدراج صحتها إضافة لمحوره الأساس وهو الأهم والمتمثل :بقرار الباحث الأول في أن يسبر غور الموضوع الذي اختاره " وهنا أريد ان أركز على هذه النقطة في روحية الباحث التاريخي والمتمثل بشخصية باحثنا المتوازنة بين علميته أولاَ والأكثر في استعداده البيئي والتربوي للخوض في تجربة البحث التاريخي ولو تتعبنا خطوات بحثه لوجدنا انه اعتمد علميته ونتائج قناعته الذاتية بشكل ملموس ومبهر حين توقف عند المصدر المشهور والأقرب للمتلقي وهو (التادفي) في اتباع خط (السمعاني ) وانتبه لمكان ادراج المعلومة المصدر والأهم لتمحيصها والبحث عن مصادر تلك المعلومة التي لم تقنِع الباحث بالأخذ بها بل أخذها كذريعة وحجة لاستمراره في مواصلة البحث حتى التحقيق فذهب الى مقابلة بعض العلماء وأيضا لننظر كيفية استنباط الباحث (د.جمال الدين فالح الحجية ) لقرار عدم الأخذ بالأقرب وتقدمه في توسيع البحث لتعميم الحجة وذهابه لأكثر من مصدر ولمختلف المذاهب والتوجهات( 4 )

مما يثبت لنا يقينا إن منهجية الباحث الدكتور جمال الدين فالح الحجية اعتمد على الروحية الراسخة والمتهيئة والجديرة باستنباط القرار ثم الحكم فالوصول إلى الهدف المنشود وهو إثبات ما كان مقتنع به ومؤمن به أولاَ قبل البدء بالبحث مما وقاه الوقوع بالظن فاستمر يحقق ما يسعى إليه بثبات وحكمة وهنا لننظر في ماهية الاستدلال الاستنباطي؟

(أ_الاستدلال والحقيقة:

يميز نيكرسون (Nickerson, 1986) بين الحقيقة والاعتقاد والرأي. فالحقيقة في جوهرها عبارة عن اعتقادات تجمعت لدعمه أدلة صحيحة تجعل ثقتنا كبيرة في كونه حقيقة، أما الاعتقاد فلم تثبت صحته ويمكن الافتراض بأنه إما أن يكون صحيحاً وإما أن يكون خطأ. وفي المقابل ينحصر الرأي في الأمور المرتبطة بالتفضيلات والقيم والأذواق الشخصية، ولا يخضع للاستدلال أو معايير الصحة والخطأ.

ويرتبط الاستدلال الصائب إرتباطاً وثيقاً بالحقيقة بالرغم من أن الاستدلال لا يؤدي دائماً إلى الحقيقة. ومن أجل ذلك يقتضي الاستدلال الصائب من جانب الفرد وجود اتجاه محدد لديه نحو الحقيقة، يرتكز ضمنياً على مجموعة أسس هي أشبه ما تكون بالمسلمات. ومن أهم هذه الأسس ما يلي:

الالتزام بالحقيقة طالما كان بالإمكان إثباتها.

الرغبة في تعديل المعتقدات والحقائق عند توافر أدلة تستوجب التعديل.

التسليم بأن حالة اليقين نادرة، وأن الحاجة لإعادة فحص المعتقدات – بما فيها المعتقدات الراسخة – من وقت لآخر قائمة ومشروعة. وهناك الكثير مما عرف لدى حضارة ما في عصر ما على أنه حقيقة، قد ثبت زيفه لدى حضارة أخرى أو في عصر آخر.

الاستدلال الصائب لا يقود بالضرورة إلى الحقيقة.

الاستدلال الصائب يجعل الفرد أكثر اقتراباً من الحقائق.

ب_ الاستدلال الاستنباطي

أولاً: تعريفه ومكوناته:

"الاستنباط" معناه في اللغة الاستخراج باجتهاد ومعاناة فكر، وأصله الفعل "نبط" بمعنى أظهر وأبرز، ومنه "استنبط الجواب" تلمسه من ثنايا السوال. أما "الاستدلال الاستنباطي" فيعني القدرة على التوصل إلى نتيجة عن طريق معالجة المعلومات أو الحقائق المتوافرة طبقاً لقواعد وإجراءات محددة. ويعد الاستدلال الاستنباطي من أهم مباحث علم المنطق، ومن الموضوعات المهمة التي تتعرض لها المراجع الرصينة في مجال التفكير.

إن النتيجة في عملية الاستدلال الاستنباطي لا تخرج عن حدود المعلومات المعطاة، ولكن حتى يتم التوصل إليها لابد من إمعان للنظر، وبذل مجهود ذهني لمعالجة المعلومات المعطاة التي تتضمن النتيجة أو التمهيد لها بالضرورة. وبهذا المعنى يمكن تشبيه عملية الاستدلال الاستنباطي بعمليات البحث عن اللؤلؤ في البحار أو عن المياه والبترول والمعادن في باطن الأرض. وكما هو معلوم، فإن هذه الثروات الطبيعية موجودة أصلاً في الطبيعة، ولكن حتى يمكن الوصول إليها واستخراجها يحتاج الأمر للقيام بعمليات مسح أو غوص أو حفر قد تكون ميسرة حيناً وقد تكون مضنية حيناً آخر، دون أن يغير ذلك من حقيقة أننا لا نأتي بشيء جديد بمعنى الكلمة، بل إننا في الواقع نكتشف شيئاً موجوداً بصورة ضمنية أو كامنة فيما هو حولنا.) (5)

__________________________________________________

المصادر :

1_ راجع مقدمة كتاب (فلسفة ابي العلاء المعري)/د.طه حسين /الطبعة الثانية

2_ كتاب (من تاريخ الأدب العربي ) العصر العباسي الأول (القرن الثامن) المجلد الثاني/الكتاب الثاني_خاتمة القول في أبي نؤاس ص224

الكتاب الثالث:شعر المجون:_

الوليد بن يزيد ص237

والبة بن الحباب ص 248

3_ كتاب (دليل الباحث في تنظيم وتوضيح البحث العلمي في العلوم السلوكية /ج2 خطوات البحث في العلوم السلوكية ص 35 /د.داوود بن دوويش حلّس _قسم الفلسفة في جامعة الخرطوم

4_ أنظر لهوامش بحث الدكتور جمال الدين فالح الحجية للبحث نفسه (10_التادفي، قلائد الجواهر في مناقب الشيخ عبد القادر، ص 99 وجيلان

العراق، أصل أسمها وموقعها بابلي/ عراقي قديم يعني الارض المرتفعة: مقابلة مع

2002 ومقابلة مع العلامة /12/ العلامة الدكتور نام أبو الصوف بتاريخ 16

Delopote-L- ، 2001 وانظر /9/ الدكتور فوزي رشيد بتاريخ 7

Mesopotamia-london-1925-p136

5_ الاستدلال Reasoning للدكتور :حسين عبد المجيد النجار /من كتاب (تعليم الفكر) للدكتور فتحي عبد الرحمن جروان(المبحث السادس ص 11 والمبحث السابع ص 13/جامعة الملك عبدالله _وزارة التعليم العالي /الدبلوم العالي للدراسات التربوية/مسار موهبة التفوق

ليست هناك تعليقات: