الثلاثاء، 19 مارس 2013

حيث لا يَتيه القدر /قصة


حيث لا يَتيه القدر

قصة بقلم : سمرالجبوري

للوعد طريق لايختلف بالرؤى اختلاف الفصول، درب واحد لا غير و سبب لا يقبل الانقسام على ذات الوجود

كان يتصبب عرقاً وهو يعقد الخيوط ليرقع ما تمزق من شباكه الأثيرة
وكان الصيف يسكن منتصف النهر وقبيل منتصف العمر على أكثر تقدير، لم يعنيه ما تقدم منه وهو يستدرك أنواع القوارب بنهم وتوق للتغريب كما يفعل كبار الصيادين وكان يدخر الأغاني لِطََيف سيمر بُعَيد الغداء فقط :حين يتعب الناس من الطريق ويستفيق طائر الحلم البعيد
تمر الساعة بطيئة تستقدم الحسرات التي يخنقها عمدا كي لا يشعر بها والدهُ الجالس قرب الطرف الآخر لجسر الراحلين ، يترك الشِباك ليستقر قرب والدهُ يتناولان ما تبقى من رحلة الأمس التي جادت عليهما بالطمأنينة ، كان الأب مرتاحا رغم كل التجاعيد المنحوتة على وجهه وكفيه بتصرف فنان هكذا تفرد (يونس) وهو يرسم خطوط المعنى بوجه أبيه ولم يلبث طويلا حتى بدأ الأب بالحديث العميق والذي كان يتحاشاه يونس
-هل ستبقى اليوم أيضا مع الشبكة ؟ أراك تعودتَ هذا الوقت ، لم لا تذهب لتنام ثم ترجع؟

_ سأكمل العمل فيها وأرجع ، عندي واجب وكتابة في المساء

- أنا لا أجبرك لتذهب وإنما أقول إن الجو جهنم والأحسن أن تنتظر العصر لِتهفت الشمس ثم ترجع لتكمل العمل ...
ثم انك ستبقى تدرس حتى الفجر مثل البارحة وقبلها ولسنا على عجل بشان الشبكة، أكمل امتحاناتك أولا ثم أصلحها: وليس فيها علة أن لا تكون هنا يوما حين يمُر النسيم


تجهم وجه يونس و بدا عليه الخجل و الغضب معا لكنه بلع لقمته التي بدت أكثر وضوحا وهي تمر عبر أوداجه ، ترك خبزته بصمت وقام راجعا للخيوط والشبكة

ثم أردف الأب يقول : يا يونس ؟ فقط أجبني :هل لمثلنا أن نكون غير ما كنا عليه؟ أعطانا الله وأرضانا نعمل بهذه الأكف الكثير ونجلب ما يسد حاجتنا عن الناس وهذا كثير يا ولدي عما كنا فيه فلماذا تريد أن تكفر بنعمتك التي أنعم الله عليكَ بها لماذا لا تنظر لمثلك ؟
لماذا تنتظر من لا يعنيه شأنك ومن لا تصل قامتك لربع سور بيته؟؟ ولماذا ولماذا.....

_ سأكمل الشبكة اليوم يا أبي وأرجع

فر العجوز رأسه وهو يجمع مائدة الأسئلة التي كسّرت خاطرهُ ليصُرها ويرميها في السلة حيث حملها وعاد للبيت وكذلك الباقون ممن كانوا على الضفة تباعاً يذهبون..حتى خلا المكان وكادت الشمس أن تنطق الويل على العباد و إذا بصوت الطيف يسأل من خلف القارب القديم المرمي على الشاطيء
_ يونس؟المفروض أن تكون في بطن الحوت الآن ولا تخرج منه أبداً ، أغضبتَ والدك وأخرتني

_جئتُكِ جئت :فقط لأتأكد من الطريق

راح يونس يتلفت هنا وهناك ليأمَن خلو الطريق والضفة ثم بدأ يدندن بأغنيته المُمدده بدلال على صوته الرخم وهو يتجول بين شقوق الشبكة وكأنه يتفحصها بنبرات أنامله فتطرب وتلتئم بخيوط وجده...

_ يلومني صحبي المضي الى البعيد
والدار ما حنت على مرمى شرودي
ما كان لي غير الحبيب هلال عيد
يجمله غنائي ويعبق في وريدي.............

ثم ذهب للقارب وأخرجَ كيسا من تحت غطاء الصندوق الأمامي والتف حوله إلى جانبه الآخر حيث(الطيف( هناك يتكئ مغطى بباقي الشباك المستريحة من العمر والمعدة للحرق قريبا وراح ينفض الشِباك عنها وهي تتذمر وتقول

_أبوك غاضب يا يونس والجرح يؤلمني ، هل كان يجب أن تكون معنا أنت السبب ولو لم تتبعني لِهناك لكنتُ أتممت العمل دون أن أتفاجأ بك وأرتبك وأسقط على الأرض
وأبيك للحق ليس منصفاً ويخاف عليك فقط.. ويعرف سور البيت من جهة الشارع فقط

_ أسكتي كنتُ أظنك مجنونة ولم أعرف ماذا كنتِ تفعلين كنتُ ماراً بالصدفة ورأيتُكِ تنظرين للشجرة وكأنك وجدتِ شيئا ثميناً نظرتُ بدوري للشجرة لأرى ماذا هناك ولم أجد شيء غير طبيعي وكنتُ سأذهب لحالي لكنكِ أخرجتِ سكينا صغير من جيبك ! فقلت في نفسي :جُنَت البنت ستفعل بنفسها شيء تحركتُ نحوك لألحق بك وكنتِ حينها تحاولين الصعود على جزء ممتد من ساق الشجرة فصرخت و تفاجَئتي وسقطتي
_كنت أريد فرعا من الشجرة لأجرب التطعيم يا مجنون

_ آه نعم تجربين كل ما يمكن أن يَسُر صاحب البستان، ماذا كان سيعطيكِ

_لا تغضبني أكثر يا يونس واحمد الله فلو كان علِم بجرحي لكُنتَ عرفتُ ماذا سيفعل بِك

_أسكتي وكفي الثرثرة دعينا ننزع الخيوط عن الجرح : وبهدوء!!

نعم بهدوء_

_ _أخبريني :هل كانت تلك الورقة مهمة لدرجة أن يدسوها بين أغصان البرتقال هناك ؟؟

_يا إلهي ..متى علمت بالورقة ؟! كانت إحدى قصائد فقط لحقت بي ؟ كانت إحدى قصائد فقط وخبأتها هناك..وما شأنُك أنت؟

_كنتُ مارا بالصدفة و لم ألحق بك

_ صدفة؟
أنت لا تعرف أصلا ذاك المكان هذه املاك خاصة

_ نعم لا يجوز لأحد أن يكون هناك حتى لو كان تائها : أملاك خاصة: مفهوم
،وأما القصيدة فكانت دخيلة فقيرة تتجنى على الأغنياء :فَكيفَ لو عَلِم بها صاحب البستان يا طيف؟؟ وهل يعلم بأنك تكتبين ما يحرق بستانه وأهلها؟؟ هه وكنتِ تخافين على صاحب البستان؟!!!
..

أنت تؤلمني أرجوك برفق ستشل يدي من الألم_

كدنا ننتهي تحملي_

_لا أفهمك ولا أعرف لماذا كنت هناك لكنك مجنون....وأنصحك أن لا تتيه مرة أخرى

ضحكَ يونس حينها وهو ينتهي من أخر خيط يسحبه من ساعِد الطيف المرتبك
رغم ما يراه من اغتياظها فسألته باستغراب

لم تضحك هل تلوت عليك نكتة؟؟_

_لا لشيء لكني متعجب من نصيحتك : إطمئني أعرف نفسي سأتيهُ كثيرا وأمري لله

12/3/2013م

ليست هناك تعليقات: